قطرة المياه العذبة من أندر الموارد الطبيعية في المناطق الجافة وشبه الجافة خاصة بعد الزيادة الكبيرة في عدد السكان في مصر أكثر دول العالم اعتمادا علي الزراعة المروية لأن الأمطار لاتسقط الا علي الساحل الشمالي وبمعدل حوالي140 ـ230 ملليمترا سنويا.. وعلي ذلك فإن نهر النيل يمثل المورد الرئيسي في مصر التي يقدر نصيبها من مياه النيل بحوالي55 مليار متر مكعب طبقا لاتفاقية دول حوض النيل وقد أدت زيادة السكان, بالإضافة الي المشاريع الزراعية العملاقة في الأراضي الصحراوية والتي تمثل أكثر من90% الي تناقص نصيب الفرد سنويا من المياه.. ويتركز الاهتمام الآن علي ترشيد كفاءة استخدام مياه الري.
واقتضت الضرورة تدخل البحث العلمي التطبيقي للتوصل الي اساليب جديدة للري الذي يستهلك الكمية الأكبر من المياة العذبة وعلي الرغم من أن معظم الأراضي الصحراوية يتم زراعتها بالرش والتنقيط.. غير أن تلك الطرق الحديثة مازالت لها سلبيتها.. كما يقول الدكتور حسن ربيع عميد كلية الزراعة بالزقازيق.. وأنها لم تؤد الي الاستغلال الأمثل لنقطة المياه العذبة وخاصة بعد مشروعات التوسع الأفقي في الصحراء والمشاريع العملاقة في توشكي وشرق العوينات وترعة السلام و الوادي الجديد وغيرها علي امتداد مصر كلها.. الأمر الذي كان دافعا للتفكير في إيجاد نظام حديث يوفر في مياه الري لأقصي درجة ممكنة حتي يمكن الاستمرار في تلك المشاريع وتغطية احتياجاتها المائية.. ولمواكبة مايحدث في العالم من تقنيات وتكنولوجيات.. لاستثمار كل ما هو متاح من إمكانيات علمية وبشرية وبيئية.
ري بالرشح
ويضيف الدكتور حسن ربيع أنه تم التوصل الي نظام الري بالرشح تحت سطح التربة.. والذي يعد من أحدث النظم العلمية لتوفير أقصي حد ممكن من مياه الري واستغلال تلك المياه الاستغلال الأمثل.. وتتلخص فكرة هذا النظام في تصنيع أنابيب خراطيم مسامية دقيقة وبأقطار مختلفة من كاوتش السيارات القديم.. والذي يعد أحد ملوثات البيئة بدرجة عالية.. وتحويله الي منتج اقتصادي مربح جدا.. وذلك بتدويره واعادة طحنه وانتاج المادة الخام التي تمثل70% من تلك الخراطيم المسامية.. وذلك بعد إضافة مركبات كيماوية تسمح بتكوين مسام ميكرونية ترشح منها المياه للخارج.. بحيث يتم منها تصنيع الخراطيم والتي تعتبر مادة خاملة تقاوم التلف لسنوات عديدة.. عكس الوسائل المستخدمة في نظام الري بالتنقيط.
ويراعي في تصميم شبكة الري أن تتناسب مع الغرض المنفذ من أجله وذلك بتوفير كمية المياه المناسبة لنوع المحصول في مختلف أعماره.. وتحسب كمية المياه المضافة للوصل الي الرطوبة المثلي ويستعان بمعدلات حساب الاحتياجات المائية.. وكذلك تحليل التربة ميكانيكيا لتحديد مدي قابلية التربة للاحتفاظ بالمياه وتحليل مياه الري.. والاستعانة بنتائج التحاليل في تصميم مجموعة الفلاتر التي تنقي المياه ويشتمل نظام الري بالرشح.. طلمبات لسحب المياه ودفعها في الشبكة ووحدة للتحكم.. ووحدة تسميد.. ووحدة فلاتر..
ووحدة لإضافة المبيدات.. بجانب الشبكتين الرئيسية والفرعية والتي توضع تحت سطح الأرض علي العمق المطلوب وتغطي تماما بالرمال.
مزرعة بحثية
وتطبيقا للنظام الجديد يؤكد الدكتور حسن ربيع أنه تمت إقامة مزرعة بحثية إنتاجية علي مساحة55 فدانا بمنطقة انشاص.. وتمت دق بئر ارتوازية6 بوصات لري تلك المساحة.. وتم انشاء وحدة تحكم ووحدة تسميد.. وأخري للمبيدات متصلة.. وثلاث فلاتر لتنقية.. ومد الشبكة الرئيسية والفرعية من تلك الخراطيم المطاطية تحت سطح الأرض علي بعد30 سبتيميرا وتغطيتها بالرمال.. وتمت زراعة7 محاصيل تشمل الزيتون والعنب والجوافة والتين والكمثري والموالح ونخيل البلح.. ومن المحاصيل الحقلية5 محاصيل تشمل الذرة الشامية والقطن والسمسم والقمح وأخيرا الأرز.. ومن الخضر8 محاصيل تشمل الطماطم والبامية والباذنجان والفلفل والفاصوليا واللوبيا والبصل والثوم. وقد انتجت كل هذه المحاصيل.. ويجري حاليا أساتذة وطلبة الدراسات العليا بكلية الزراعة بجامعة الزقازيق كثير من التجارب البحثية علي هذه المحاصيل للوصول الي أنسب المعاملات الزراعية المثالية للإنتاج الأعلي كما وكيفا..
ويعد الري بالرشح أنسب النظم جميعها في الأراضي الصحراوية والمناطق المرتفعة الحرارة الجافة كمناطق توشكي وشرق العوينات.. وينفرد هذا النظام بمميزات متعددة يحددها الدكتور حسن ربيع عميد كلية الزراعة بـ21 ميزة تتمثل في انه يصلح لجميع الزراعات من أشجار الفاكهة والمحاصيل الحقلية والخضر وزيادة انتاجها.. ويوفر كميات المياه المستخدمة بالمقارنة بباقي نظم الري الأخري وتصل الي50% عن نظام الري بالتنقيط وهو أحدث النظم المتبعة حاليا.. كما يوفر كمية الطاقة المستخدمة من كهرباء أو ديزل.. وسهولة اجراء التسميد مع الري وتوفير كمية الأسمدة واستخدام أنواع غير تقليدية مع تحقيق أقصي استفادة.. وتهوية التربة بحقن نسبة من الهواء مع مياه الري.. ويوفر في الأيدي العاملة.. ويحقق انتظام وسرعة نمو النباتات وانتظاما في حجم الثمار نتيجة للتوزيع الأمثل للمياه داخل النباتات.. وطول العمر الافتراضي لشبكات الري لأن خراطيمها مصنوعة من مادة خاملة تماما ولوجودها تحت سطح التربة خلافا لنظم الري الأخري.. وعدم حدوث انسداد في الخراطيم لكونها مسامية.. وإنعدام نمو الحشائش علي السطح لجفاف التربة وعدم وصول الرطوبة الي بذور الحشائش..وانعدام الاصابة المرضية والحشرية علي النباتات والثمار لعدم وجود حشائش نامية في الأرض..
وإنعدام مشكلة تراكم الأملاح علي سطح التربة لعدم وجود البخر من السطح.. وتساوي توزيع كمية المياه علي الحقل نتيجة لتنظيم عملية الضغط داخل الأنابيب بحيث يكون تصريف المياه متجانسا من بداية الخط الي نهايته.. وسهولة وسرعة انشاء الشبكة وصيانتها.. والتخلص من الإطارات القديمة للسيارات وهي مشكلة بيئية وتحويلها إلي منتج مربح من مكونات محلية.. ويوفر فرص عمل جديدة تستوعب عددا كبيرا من الشباب بعد تدريب تحويلي لهم وتشغيلهم في عمليات التصنيع الجديد لهذا النظام الحديث.. وتوفير تكاليف الاستصلاح والتسوية للأراضي, حيث يمكن تطبيق النظام في أرض غير مستوية.. وتتميز الثمار المنتجة من هذا النظام بعدم وجود اصابات حشرية أو مرضية بها مما يجعلها رائجة للتصدير وفتح اسواق عالمية امامها.
وللمقارنة بين نظام الري بالتنقيط الذي يستخدم حاليا ويعد أحدث النظم المعمول بها.. ونظام الري بالرشح الذي تم التوصل اليه علميا.. ويجري تطبيقه في المزرعة التجريبية.. يوضح الدكتور حسن ربيع عميد كلية الزراعة بجامعة الزقازيق أن هناك فرقا شاسعا في النسب بين النظامين في مجال الانتاجية وكمية المياه وتكلفة الشبكة والري تصل إلي نحو50% وعلي سبيل المثال فإن محصول الذرة الشامية تبلغ انتاجية الفدان من زراعته باستخدام الري بالتنقيط3 أطنان و280 كيلو.. بينما بلغت انتاجية الفدان من الذرة الشامية هجين ثلاثي320 باستخدام الري بالرشح6 أطنان و688 كيلو.. بما يمثل زيادة في انتاج الفدان تتجاوز الضعف.. وبالنسبة لكمية المياه التي تستهلك في زراعة الفدان بالري بالتنقيط تبلغ الفين و800 متر مكعب.. وفي الري بالرشح1447 مترا مكعبا مما يعتبر انخفاضا يقارب النصف.. وفيما يتعلق بتكاليف شبكة الري فإنها تبلغ في نظام الري بالتنقيط3 آلاف و200 جنيه للفدان بينما في الري بالرشح لاتتجاوز2500 جنيه للفدان الواحد.. وتكلفة الري للفدان بنظام التنقيط خلال موسم الزراعة كاملا504 جنيهات.. بينما يتكلف في نظام الري بالرشح314 جنيها و50 قرشا فقط طبقا لسعر المياه والمحدد18 قرشا للمتر المكعب.
طفرة زراعية
ولا شك أن تطبيق النظام الجديد للري بالرشح سوف يحدث طفرة زراعية كبري.. ويساعد في التغلب علي كثير من المشكلات التي تواجه الشباب في زراعة الأراضي الصحراوية وزيادة الاقبال عليها بحيث يصبح شعار تعمير الصحراء حقيقة واقعة وليس دربا من الخيال..